لقد كان الموقع الجغرافي العام الذي تشغله عمان أعظم الأثر فيما أحرزه الملاحون ‏العمانيون منذ أقدم العصور التاريخية من شهرة بحرية , ذلك أن هذا الموقع ما بين ‏مخرج الخليج العربي ومدخل بحر الهند الأعظم على الطريق التجاري الرئيسي المؤدي ‏غرباً إلى السواحل الشرقية لأفريقيا وشرقاً إلى الهند وماليزيا والصين ونظراً لصعوبة ‏الإتصال بالبر بالمناطق المجاورة كالبحرين وحضرموت لذا فقد تطلع العمانيون نحو ‏البحر .‏

وقد سعى العمانيون للحصول على الرزق لذا فقد إرتادوا البحار سعيا وراء التبادل ‏التجاري مع الشعوب المجاورة ويعتبر البحارة العمانيون في طليعة رواد البحار ‏والمحيطات منذ العصور التاريخية القديمة وكانوا من أوائل الشعوب القديمة التي ‏إستخدمت الصاري والشراع لذا فلا غرابة أن تصف المصادر السومرية القديمة أهل ‏عمان برواد الملاحة البحرية , وكان السومريون يطلقون على بلاد عمان قبل أربعة ‏الآف سنة إسم مجان كما ورد ذكرهم كبنائين للسفن في عهد شلجى حوالي 2050 قبل ‏الميلاد .‏

وتشير المصادر التاريخية القديمة إلى أن العمانيين مع نهاية القرن الثالث قبل الميلاد قد ‏تملكوا أعظم أسطول بعد قرطبة وكان وسيلة فاعلة في نقل حضارة ميناء بابل وسومة ‏إلى الهند وفارس وعن تلك الحضارات أخذ الهنود علوم الفلك والفلسفة والرياضيات ‏والتنجيم وكل معالم الحضارة والتقدم , وكان ذلك قبل العصور اليلينستية بعدة قرون .‏


لعلنا لا نتجاوز الحقيقة إذا ما قلنا أن قوة عمان تاريخياً من قوة بحريتها والعكس وقد ‏ورد في كتابات بطليموس عن عمان أن مجدها وشهرتها التي كانت مصدر فخرها إنما ‏جاءت عن طريق ما كانت تقوم به من نشاط بحري وملاحي وليس عن طريق النشاط ‏البري .‏

لقد سعى الفرس لمنافسة العمانيين في عهد دارا الكبير 521-485 قبل الميلاد , إلا أن ‏العمانيين بما إتصفوا به من عزيمة وتصميم قد تصدوا لهذه المحاولات وأفشلوا خطط ‏الفرس كما لم يؤثر على نشاطهم البحري إكتشاف ملك مصر اليليني للطريق البحري ‏المباشر بين مصر والهند إعتماداً على الرياح الموسمية .‏

وعندما ظهر الرومان كقوة عالمية ما بين عام 50 إلى 200م لم يؤثر ذلك كثيراً على ‏نشاط البحرية العمانية وبظهور الدولة الساسانية في فارس عام 225م دخلت في منافسة ‏مع البحرية العمانية فأسسوا إسطولاً قوياً إحتلوا به أجزاء من شرق وجنوب الجزيرة ‏العربية ومنها عمان إلا أن العمانيين تصدوا لهم بعد أن أستعادوا قوتهم ثم تعقبوهم على ‏الشواطئ الفارسية وإحتلوا السواحل والمناطق الجنوبية عنها .‏

ومع نهاية القرن السادس الميلادي ظهرت قوة بحرية مؤلفة من الفرس والأحباش ‏واليونان والصومال بهدف تنحية العمانيين عن السيادة البحرية مما دفع بالعمانيين ‏للتصدي لهذه القوة وخاصة الأحباش الذين كانوا يحتلون اليمن وتمكن العمانيون من ‏إنزال هزائم متكررة بهذه القوى نجم عنها عودة السيادة العمانية على البحار الشرقية .‏

كذلك يرجع إلى العمانيين الفضل في إنشاء أول قوة بحرية إسلامية في الأندلس تعمل ‏لحسابها الخاص بالجهاد البحري أو بالتجارة ما بين المغرب والأندلس في وقت لم يكن ‏الأمويون في الأندلس قد إصطنعوا سياسة بحرية فقد كان معظم طوائف البحريين الذين ‏يرابطون على السواحل الشرقية للأندلس ما بين طرطوشة في الشمال والمرية في ‏الجنوب ويغزون في البحر التيراني ينتسبون إلى الأزد ومنهم بني الأسود .‏

وتشير المصادر التاريخية إلى أن ربابنة البحار من العمانيين كانت لديهم معرفة وافية ‏بالبحار والمحيطات سواء في البحار الشرقية التي خاض العمانيون بسفنهم مياهها على ‏الرغم من خطورة أمواجها ومضايقها الجبلية أو المياه الغربية , فقد كان الخليج العربي ‏يتصل بماأسماه العمانيون بالبحر البربري أو بحر الزنج الذي ينتهي جنوباً بجزيرة قنبلو ‏وبلاد سفالة والواق واق من أقاصي أرض الزنج وقد وصل العمانيون بسفنهم التجارية ‏إلى الساحل الشرقي لإفريقيا وإعتادوا الإبحار في البحر البربري وفي ذلك يقول ‏المسعودي ((أهل المراكب من العمانيين يقطعون هذا الخليج إلى جزيرة قنبلو من بحر ‏الزنج وفي هذه المدينة مسلمون بين الكفار من الزنج والعمانيون الذين ذكرنا من أرباب ‏المراكب يزعمون أن هذا الخليج المعروف بالبربري وهم يعرفونه ببحر بربري وبلاد ‏جفوني )). وفي موضع أخر من مروج الذهب يقول المسعودي ((هؤلاء القوم الذي ‏يركبون هذا البحر أي بحر الزنج من أهل عمان من الأزد )).‏

ويؤكد المسعودي في أكثر من موضع في كتابه على مهارة نواخذى عمان ومقدار ‏سيادتهم على بحر الصين والهند والسند والزنج واليمن والقلزم والحبشة , لقد كان يربط ‏بين قنبلو وصحار مباشرة طريق ملاحي هو نفس الطريق الذي سلكه المسعودي في ‏رحلته وكانت الرياح تدفع السفن أحياناً بعيداً عن قنبلو فتتجه رأساً إلى الساحل الإفريقي ‏‏.‏






أحدث المواقع
مواقع مميزة
ولايات نشطة



تابعنا على