لقد كان تاريخ عمان القديم يكتنفه الغموض إلا بقدر ما تسمح به المصادر العربية ‏القديمة وبعض المصادر الأجنبية من معلومات مشوهة أحياناً وغير حقيقية في كثير من ‏الأحيان .‏

ومنذ عصر النهضة العمانية المعاصرة بدأت البعثات العلمية للتنقيب عن الآثار تمارس ‏عملها وتوصلت إلى نتائج علمية على درجة كيبرة من الأهمية لعل من أهمها إكتشاف ‏مجتمعات عمرانية وجدت على الساحل العماني الشرقي والغربي ترجع إلى الالف ‏السادسة قبل الميلاد وكشف النقاب عن مجتمعات إخرى في موقع القرم بمسقط تعود إلى ‏الآلف الخامس قبل الميلاد حيث عثر على مقابر وبقايا أطعمه وأمتعة شخصية تشير إلى ‏ان سكان هذا الموقع كانوا يمارسون حرفة الصيد بينما احترف بعضهم مهنة قنص ‏الغزلان من الوديان في المناطق الداخلية من عمان وعثر على حلي للرجال والنساء بما ‏يؤكد بلوغ درحة ما من التقدم التقني والحضاري .‏

وقد كشفت التقارير العلمية التي نشرت عام 1987م عن محطة التنقيبات الأثرية التي ‏اجريت في المنطقة الوسطى من الباطنة لتؤكد وجود مجتمعات قديمة لها نشاطها ‏الاقتصادي والسياسي المنظم ولها علاقاتها الخارجية مع العديد من الدول الأخرى , ففي ‏دراسة نشرها كل من ب كوستا , ت. ج ولكنسن حلو منطقة صحار قدم المؤلفان ‏معلومات وافية عن المجتمعات التعدينية والزراعية والتجارية للمنطقة التتي ترجع ‏أصولها التاريخية إلى مراحل بعيدة من العصور القديمة إمتدت إلى العصور الإسلامية ‏‏.‏

كما قدم الباحثان (كوستا وولكنسن) تقريراً علمياً دقيقاً يؤكد وجود مناطق تعدينية ‏لإستخراج النحاس خلف المنطقة الزراعية بنحو 25 كيلومتراً على سفح جبال الحجر ‏الغربي ودل العثور على آثار حجرية في المنطقة بما يؤكد قيام مجتمعات صغيرة في ‏مطلع الآلف الثالثة قبل الميلاد وقد أكدت الدراسة إستمرار إستغلال هذه المناجم إلى ‏العصور الإسلامية .‏

كذلك أكدت الدراسات البحثية التي أجريت في العراق عن إستخدام النحاس منذ القرن ‏الرابع قبل الميلاد وأضافت هذه الدراسات إنه كان ينقل من عمان عن طريق الرحلات ‏البحرية في الخليج .‏

ومنذ منتصف الألف الثانية قبل الميلاد أخذ إستخدام الحديد ينتشر بصورة متزايدة ‏وبخاصة في صناعة الأسلحة مما قلل من أهمية الطلب على النحاس وشيوع مواد ‏تجارية جديدة مثل اللبان والأفاوية والجمال والخيول , لذا فقد أخذت التجارة العمانية ‏تتجه في معظمها صوب الغرب والشمال لتحدد مع تجارة قوافل جنوب الجزيرة العربية ‏الواسعة فيما عرف بطريق البخور .‏

لقد تضاعفت أهمية تجارة عمان منذ الألف الأولى قبل الميلاد بسبب مقدرة العمانيين ‏على توفير سلع أجنبية للأسواق العربية مثل القرفة التي كان يستوردها العمانيون من ‏الهند ويقومود بنقلها إلى بقية الأسواق العربية , ومما يستلفت النظر إن إسم (مجان) قد ‏أصبح له مدلول جغرافي أوسع خلال الألف الأولى قبل الميلاد , حيث شمل جميع ‏الأقسام الجنوبية من الجزيرة العربية إبتداء من مضيق باب المندب وحتى مضيق هرمز ‏‏.‏


وعموما فإنه مع ضعف الطلب على النحاس وجد العمانيون بديلاً في اللبان والبخور ‏والخيول والمنتجات الهندية والصينية , ومن ثم فقد نشطت تجارة التوابل إضافة إلى ‏الحرف التقليدية التي إمتهنها العمانيون منذ العصور التاريخية القديمة وهي الزراعة ‏وبرعوا في توفير المياه من خلال الأفلاج والعيون وتقدم الدراسات الأثرية الحديثة ما ‏يؤكد مقدرة الإنسان العماني وتفوقه في مهنة الزراعة ومهارته الشديدة في التفنن في ‏إستغلال المياه من خلال شق الأفلاج ويشير القزويني (آثار البلاد وأخبار العباد) إلى أن ‏إرم ذات العماد تقع في منطقة الأحقاف من الجزء الجنوبي الغربي من عمان ثم يقول ‏‏(لقد أجرى الملك إليها نهراً مسافة أربعين فرسخاً تحت الأرض فظهر في المدينة ‏فأجرى من ذلك النهر السواقي في السكك والشوارع وأمر بحافتي النهر والسواقي ‏فطليت بالذهب .‏

وعموماً فإن هذه الرواية تقدم دليلاً على تفنن العمانيين في شق الأفلاج بما يؤكد تفاعلهم ‏مع الطبيعة وتفننهم في إستخدامها تحقيقاً لخلق مجتمعات مستقرة لديها من الأنماط ‏الحضارية ما يقيم دليلاً على إنها مجتمعات غاية في القدم .‏






أحدث المواقع
مواقع مميزة
ولايات نشطة



تابعنا على