علاقة العمانيين بالبحر علاقة أزلية جدلية ، حيث كان لهم الريادة في ‏إرتياد البحار قبل ظهور الإسلام بزمن طويل ، بل كانوا من طليعة رواد ‏المحيطات في العالم ، على مر العصور ، وإن مجد عُمان وشهرتها ، التي ‏كانت مصدر فخرها ، إنما جاءت عن طريق ما كانت تقوم به من نشاط ‏بحري وملاحي ، تبادل العمانيون من خلاله التجارة مع شعوب وأمم العالم ‏وينتشرون دين الله بحسن الأخلاق والمعاملة . وتجسيداً لهذه الملحمة ‏البحرية التاريخية ، ورغبة من جلالة السلطان قابوس المعظم في إحياء ‏الأمجاد البحرية العمانية ، كان التفكير في تسيير رحلة بحرية مشابهة ‏للرحلات التي كان يقوم بها العمانيون في القرون الماضية عبر تاريخهم البحري ‏الطويل ، وتم إختيار مدينة كانتون الصينية التي ربطتهما بعمان روابط تجارية ‏وثقافية لتكون المحطة التي تقصدها السفينة " صحار " لتكتب من جديد ‏فصول هذه الملحمة التاريخية البحرية العمانية بمداد الإصرار والتحدي ‏وحب المغامرة .‏

في الثامن عشر من نوفمبر (1980) ، نقل العمانيون 300 طن من ‏الحصى لبناء رصيف على شاطئ مدينة صور العمانية ، يرتفع عن مستوى ‏المياه بحوالي متر واحد ، ليكون هذا الرصيف موقعاً للعمل في بناء وتشييد ‏‏(سفينة السندباد) . إستمر العمل على أيدي ثلاثين رجلاً لعشر ساعات ‏يوماً ، ولستة أيام بالأسبوع ، وعلى مدى 165 يوماً ، وتم بناؤها بواسطة ‏الأسلوب العماني القديم الذي يعتمد على تثبيت الألواح الخشبية بالحبال .‏
وأخيراً ظهرت السفينة "صحار" ، أطلق عليها هذا الإسم بأمر صاحب ‏الجلالة السلطان قابوس المعظم تيمناً بإسم صحار ، عاصمة عُمان وأهم ‏موانئها في القرن الربع الهجري/ العاشر الهجري . ‏

إستغرق بناء السفينة 165 يوماً من العمل الشاق ، بعد أن إستخدام في ‏صناعتها 140 طناً من خشب (الآني) ، من غابات الهند ، وإحتاجت ‏السفينة صحار إلى قشور أكثر من 75 ألف (جوزة الهند) ، وأربعة أطنان ‏من حبال ألياف جوز الهند لتربيط الأشرعة والصواري والمراسي . وقد ‏حملت السفينة سارية رئيسية ، بلغ طولها 75 قدماً ، وقد كان الهدف من ‏بناء السفينة (صحار) أن يطابق تصميمها مركب البوم ، وفقاً للخصائص ‏التالية :‏
‏* أن يكون بناؤها بلا مسامير * أن تكون ثلاثية الشراع * أن تكون ‏مزدوجة الطرفين .‏

وإستخدام في بناء السفينة الطرق التقليدية ، إبتداء من طاقم العمال ‏من نجارين ، وصناع حبال ، ومتخصصين في ربط أجزاء السفينة بحبال ‏ألياف قشر جوز الهند . وكان هؤلاء العمال ،كأسلافهم ، لم يستخدموا ‏الرسوم في صناعة السفينة ، لكنهم كانوا يعتمدون في عملهم على خبرتهم ‏ونظرهم المجرد . إنطلقت السفينة صحار في تمام الساعة الحادية عشر من ‏صباح الثالث والعشرين من نوفمبر (1981) ، وعلى ظهرها عشرون بحاراً ‏، معظمهم من العمانيين ، تحت قيادة المغامر الأيرلندي (تيم سيفرن) . ‏

تواصل السفينة (صحار) إبحارها وتحديها للمستحيل ، الذي إضطر ‏أن ينحني أمام عبقرية الإنسان العماني ، الذي لا يعرف المستحيل . وعند ‏وصول السفينة صحار إلى ميناء كانتون في الصين ، بعد أن قطعت مسافة ‏‏6000ميل ، في مركب بدون محرك ، في رحلة إستغرقت 8 أشهر تقريباُ ، ‏كانت قد وصلت في نفس الوقت إلى تأكيد حقيقة تاريخية بحرية ، وهي أن ‏البحار العماني ، بسفينته المثبتة بحبال العزم والإصرار والتحدي ، قد كانت ‏له صولات وجولات تشهد له بها بحار الدنيا . ‏
وصفقت الصين ، ومعها العالم كله ، لهذا الإنجاز العماني ، وأقامت ‏إحتفالاً بهذه المناسبة التاريخية كتحية رسمية من حكومة الصين ، كما أنها ‏أقامت إحتفالاً ثانياً ، بمناسبة الذكرى العاشرة لوصول السفينة (صحار) ‏إلى ميناء كانتون . وبإكمال الرحلة بنجاح ، أكد العمانيون بأنهم قد قاموا ‏بأطول رحلاتهم البحرية ، وأعظمها ، بهذه السفن المخيطة ، وتحولت ‏أسطورة رحلة سندباد إلى واقع استطاع الملاح العماني أن يقدمه للعالم أجمع ‏ليرى بأم عينه بعضاً من الأمجاد البحرية العمانية ، متجسدة في هذه الرحلة ‏التي تكررت بعد 1000 عام . سفينة صحار تعتبر حالياً من معالم مدينة ‏مسقط حيث تقف شامخة في وسط أحد الميادين الهامة التي تتحكم في ‏مفترق الطرق المؤدية إلى مدينة مسقط ، مجددة الأمجاد التليدة ، والآمال في ‏مستقبل أكثر إشراقاً ومذكرة بأنه لا مكان للمستحيل في قاموس البطولات ‏العمانية . ‏






أحدث المواقع
مواقع مميزة
ولايات نشطة



تابعنا على