لقد شاركت عدة عوامل في جعل الوجود العماني في شرق إفريقيا وجوداً حضارياً ‏فاعلاً وخصوصاً في عصر البوسعيديين .‏

والحقيقة أن العصر الذهبي للتأثير الحضاري العماني في شرق إفريقيا هو عهد السيد ‏سعيد بن سلطان الذي تولى الحكم بعد وفاة والده السيد سلطان بن أحمد عام 1804م ‏حيث كان لقوة شخصية الرجل ودبلوماسيته ورؤيته الشاملة وبعد نظره أكبر الأثر في ‏ترسيخ ملامح الحضارة العمانية في شرق إفريقيا والتي شكلت في مجملها ركائز ‏حضارية كانت بمثابة أشعاع ثقافي وحضاري .‏

لقد كان للسيد سعيد بن سلطان أكبر الأثر في نشر الحضارة العربية والإسلامية في ‏شرق إفريقيا وقد وصفته المصادر العربية والأجنبية بأنه من أكفأ الحكام وأكثرهم حنكة ‏ومقدرة على الإدارة مما يؤهله لكي يكون من أبرز الرواد السياسيين في تاريخ آسيا ‏وأفريقيا خلال القرن التاسع عشر .‏

وتبدو عبقرية السيد سعيد حينما إختار زنجبار عام 1833م لكي تكون عاصمة لشرق ‏إفريقيا بعد أن نجح في الإنتقال بها من مجرد جزيرة صغيره إلى مركز إشعاع سياسي ‏وإقتصادي وثقافي لشرق وأواسط إفريقيا قاطبة , وتمكن العمانيون في عهده من التواجد ‏بداية من مقديشو شمالاً وحتى رأس دلجادو في جنوب الساحل الشرقي كما إمتد النفوذ ‏العماني في الإتجاه الشمالي الغربي حتى ممكلة بوغندا وغرباً حتى اعالي الكنغو (زائير ‏حالياً ) .‏

لقد إستعان البوسعيديون في شرق إفريقيا بعدد كبير من المستشارين والعلماء في كافة ‏الميادين وأوكل إليهم مهمة تسيير العمل الحكومي وتشير المصادر العربية والإجنبية إلى ‏المكانة العالية التي تبوأها العلماء والفقهاء من كافة المذاهب حيث ساد التسامح بين ‏المذاهب والديانات المختلفة وقد خص السيد سعيد بن سلطان أهل البلاد بمعاملة كريمة ‏وكانت المساواة بين كافة السكان بصرف النظر عن أصولهم العرقية من أهم ما يتميز ‏به السيد سعيد بن سلطان .‏

كما إستعان البوسعيديون بالشخصيات النابهة وأختير من بينهم الوزراء والمستشارون ‏والقضاة الذين كانوا عوناً للحكام في تصريف شؤون الدولة , وقد عمل بهذا التقليد منذ ‏عند الإمام أحمد بن سعيد ومما يميز سياسة البوسعيديين توخيهم العدالة في إدارة البلاد ‏وإختيارهم أكفأ العناصر في الجهاز الإداري بصر النظر عن هويتهم العرقية او الدينية ‏‏, ونتيجة لهذه السياسة فقد ساد جو من الألفة والتجانس وتوثقت العلاقات الإجتماعية بين ‏كافة الأوساط وإنعكس ذلك بشكل لافت على فقهاء المذاهب المختلفة لدرجة أن القضاة ‏في عهد السيد سعيد بن سلطان كان بعضهم من الأباضية وبعضهم من السنة على ‏الرغم من أن المذهب الأباضي هو المذهب الرسمي للدولة وكان لقضاة السنة مطلق ‏الحرية في عقد محاكمهم في منازلهم أو في المساجد العامة وفي أي وقت شاءوا , إلا ‏ان القضايا الكبيرة ذات الطابع العام كان يتم الفصل فيها في بيت الساحل وهو المقر ‏الرسمي للحكومة .‏

كذلك فقد نجح البوسعيديون في جمع كلمة القبائل العربية في شرق إفريقيا وذلك ‏بمشاركة زعماء القبائل وإستشارتهم في مهام الدولة ومشاكلها سواء في عمان أو في ‏زنجبار وملحقاتها وكان من بين القوى العربية في زنجبار وشرق إفريقيا عرب ‏حضرموت الذين إنخرطوا في خدمة الدولة البوسعيدية وكان منهم القضاة والمستشارون ‏‏.‏

لعلم مما يسترعي النظر أن الحكام البوسعيديين قد تقربوا إلى الناس بالعدل وكانت ‏الشورى من أهم الوسائل التي إعتمدوا عليها في إرساء دعائم دولتهم ونادراً ما كانوا ‏ينفردون بأمر دون إستشارة رؤساء القبائل والعلماء والفقهاء وكانوا جميعاً يمثلون ‏جماعة أهل الحل والعقد .‏

لقد عرف المجتمع الإفريقي المجالس السلطانية التي كان يعقدها الحكام البوسعيديون ‏للتعرف على مشاكل الرعية من قرب ولسماع الرأي فيما يتعلق بمصالح الجميع , وكان ‏لكل فرد حق حضور هذه المجالس التي كانت تعقد في يومي الجمعة والإثنين من كل ‏إسبوع , على فترتين الأولى في الساعة التاسعة صباحاً , والجلسة الثانية عقب صلاة ‏العصر , ومن حق كل مواطن أن يطلب لقاء منفرد مع السلطان إذا كان لديه مطلباً ‏خاصاً يجد حرجاً في عرضه أمام الجميع .‏






أحدث المواقع
مواقع مميزة
ولايات نشطة



تابعنا على