لقد كان العمانيون من أوائل الذين إعتنقوا الإسلام في الجزيرة العربية وأخلصوا له كل ‏الإخلاص لذلك فإنهم لم يبلخوا بجهودهم في سبيل نصرته والعمل على توسيع نطاق ‏دولته ومن اجل ذلك فقد وضعوا أسطولهم البحري تحت تصرف المسلمين من أجل ‏الفتوحات الإسلامية ونشر راية الإسلام .‏

ومع بداية العصر الأموي حدثت تحولات خطيرة في سياسة الأمويين الأمر الذي دفع ‏بأهل عمان لكي يكونوا في مقدمة القوى التي رفضت تجاوزات البيت الأموي لذا فقد ‏كلفهم هذا الموقف الشئ الكثير من الرجال مما إضطر عدد كبير منهم إلى الهجرة سواء ‏إلى شرق إفريقيا أو إلى أماكن متفرقة من آسيا .‏


وفي عهد عبدالملك بن مروان أراد الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق أن يخضع ‏عمان وجرت معركة بحرية في وادي الحطاط وما لبث العمانيون أن إستعادوا زمام ‏الموقف وقتلوا قائد الجيش الأموي ولاذ من بقي حيا بالفرار عن طريق الخليج وحاول ‏الأمويون عزو عمان مرات عديدة إلى أن تمكنوا من هزيمة سعيد بن عباد الجلندي ‏الذي لجأ إلى الجبل الأخضر وإستطاع أن يحسم الصراع في البحر حيث إستطاع ‏العمانيون تدمير الأسطول الأموي في مياه عمان .‏


وعندما نقل العباسيون عاصمة الخلافة الإسلامية آثر ذلك على البحرية العمانية التي ‏كانت قد وصلت إلى ذروة قوتها في عهد هارون الرشيد وإمتنع العمانيون من دفع ‏الضريبة مما دفع بهارون الرشيد إلى أن يبعث بإسطول بحري ضخم لإخضاع عمان ‏عام 187هـ/802م إلا أن البحرية العمانية إستطاعت التغلب على الإسطول العباسي ‏وتقتل قائده فاستشاط هارون الرشيد غضباً وراح يعد العدة لجولة أخرى إلا أن المنية قد ‏عاجلته وإستشرى الخلاف بين ولديه الأمين والمأمون مما شغل العباسيين عن شؤون ‏عمان ونهض الإمام غسان بن عبدالله اليحمدي بشؤون عمان وخصوصاً الأسطول الذي ‏أخذ يتصدى للقراصنة الهنود الذين نشطوا ضد سفن عمان وغيرها من السفن التجارية , ‏ولما كان العمانيون أقدر من الهنود في الشؤون الملاحية , لذا فقد نجحوا وتعقبوا ‏القراصنة إلى الشواطئ الهندية والفارسية .‏


وفي عهد الإمام المهنا بن جيفر اليحمدي الخروصي 225هـ/821م إجتمعت لعمان ‏القوتان البحرية والبرية وإزدهرت التجارة لدرجة إن الإسطول العماني في عهد هذا ‏الإمام قد وصل إلى ثلاثمائة مركب للعمليات الحربية وفي عهد الإمام الصلت بن مالك ‏الخروصي 237هـ/857م هاجم الأحباش جزيرة سقطرى التي كانت تابعة لعمان ‏وقتلوا الوالي العماني عليها فجهز الإمام الصلت إسطولاً بلغ تعداده أكثر من مائة سفينة ‏ونازل الأحباش وتعقبهم في المياه الآسيوية ويقال أن الإسطول العماني في عهد الإمام ‏الصلت قد بلغ ألف وثلاثمائة باخرة حربية إضافة إلى القوات البرية التي كانت ترابط ‏في الثغور العمانية .‏

وعندما سيطر القرامطة على أجزاء من الخليج وكادت الحركة التجارية أن تتعطل في ‏مياهه تصدى لهم العمانيون عام 331هـ/942م ودمروا إسطولهم تدميراً كاملاً .‏


وعندما حاول البويهيون إحتلال عمان عام 355هـ/965م نجحت البحرية العمانية في ‏طرد البويهيين وتعقبهم وإنزال الهزائم بهم .‏

وفي عام 650هـ/1252م حيث كان الإسطول العماني يمر بفترة من الضعف إستغلها ‏أمير هرمز محمود بن أحمد الكوستي فوصل بإسطوله إلى قلهات وطلب من العمانيين ‏دفع الخراج وعندما رفض العمانيون غضب أمير هرمز وهاجم ظفار ونهب أموال ‏أهلها إلا إنه لم يستطع القضاء على الإسطول العماني الذي ظل يسعى في المياه العربية ‏والدولية ولم يواجه منافسة ذات شأن إلى أن ظهر البرتغاليون في بداية القرن السادس ‏عشر الميلادي .‏

لقد حاول المماليك والعثمانيون وغيرهم من القوى التي أضيرت من الوجود البرتغالي ‏التصدي لهذه القوة الأوروبية إلا أن الإسطول البرتغالي تغلب عليهم جميعاً مما أدى إلى ‏تغير مسار حركة التجارة الدولية من الخليج العربي والبحر الأحمر إلى طريق رأس ‏الرجاء الصالح ولم يكتف البرتغاليون بذلك بل قاموا بضرب السفن والموانئ العمانية ‏وإحراق المدن الساحلية وفي قلهات وقريات وحدهما أباد البرتغاليون 83 سفينة كل ذلك ‏أضعف العمانيين وأنهك أسطولهم وإقتصادهم وأصبح العمانيون بين خيارين إما مجابهة ‏المعتدي أو الإستسلام الذي يعني الموت بالنسبة إليهم .‏


لقد حسم العمانيون الأمر وقرروا التصدي للمعتدي وحمل راية القيادة الإمام ناصر بن ‏مرشد اليعربي 1034هـ/1624م الذي أدرك أهمية الإسطول كوسيلة فاعلة لمواجهة ‏العدوان البرتغالي الغاشم , هكذا أدرك اليعاربة أن قوة عمان ومنعتها تكمن في قوة ‏بحريتها وتماسك جبهتها الداخلية , وقد أتيح للإمام سيف بن سلطان أن يطور من ‏أسطوله ومنذ 1060هـ/1650م وبعد أن حررت مسقط من البرتغاليين إستطاعت ‏عمان أن تبرز كقوة بحرية عالمية وإمتد نفوذ عمان السياسي والإقتصادي إلى ما وراء ‏البحار وإنتقل الصراع مع البرتغاليين إلى المحيط الهندي .‏

وإبتداء من القرن الثامن عشر وصل الإسطول العماني إلى درجة من القوة من حيث ‏عدد السفن وكفاءتها والمدافع المتطورة التي حصل عليها العمانيون مما دفع مؤرخي ‏تلك الفترة إلى أن يصفوا الإسطول العماني بأنه أقوى الأساطيل في البحار الآسيوية .‏


ولعل عهد السيد سلطان بن أحمد 1792م يمثل نقله جديدة في الإسطول العماني , وقد ‏وصف الإسطول التجاري في عهده بأنه كان يضم خمس عشرة سفينة كبيرة تتراوح ‏حمولة الواحدة منها ما بين أربعمائة وسبعمائة طن إلى جانب المئات من السفن ‏الصغيرة , أما الإسطول الحربي فكان على جانب كبير من القوة والكفاءة لدرجة أن ‏سفينة القيادة وهو المسماة (جنجابا) كانت ذات حمولة 1000 طن وكانت تحمل إثنين ‏وثلاثين مدفعاً كما كان الإسطول يضم أيضاً سفن أصغر نسبيا من جنجانا تحمل الواحدة ‏منها عشرين مدفعاً وكل هذه السفن بنيت على الطريقة الأوروبية إضافة إلى مئات ‏السفن الصغيرة المسلحة تسليحاً جيداً .‏

وفي عهد السيد سعيد بن سلطان 1804-1856م كان الإسطول العماني يأتي في ‏المرتبة الثانية بعد الإسطول البريطاني وكانت له قواعد رئيسية على الساحل الشرقي ‏للخليج العربي في موانئ بندر عباس وحاسك وشامل ولنجه وقشم ولاراك إضافة إلى ‏موانئ على الساحل العماني , أما الساحل الإفريقي فكان لعمان قواعد بحرية في ممباسا ‏ولاسو وكلوه ومقديشو وزنجبار .‏

يذكر أحد التجار الإمريكيين الذين زاروا زنجبار في بداية الثلاثينات من القرن التاسع ‏عشر أن السيد سعيد بن سلطان وصل إلى زنجبار على رأس قوة تتألف من سفينة كبيرة ‏جداً مزودة بأربعة وستين مدفعاً وثلاث فرقاطات مزود كل منها بستة وثلاثين مدفعاً ‏إضافة إلى سفينتين مزودة كل منهما بأربعة وعشرين مدفعاً وحوالي مائة مركب نقل ‏عليها ستة الآف مقاتل , ويتعجب التاجر الإمريكي متسائلاً كيف إستطاع العمانيون أن ‏يحرسوا هذه الممتلكات الشاسعة الممتدة من بندر عباس وحتى زنجبار ؟ .‏

لقد توفي السيد سعيد بن سلطان في المحيط الهندي على ظهر السفينة فيكتوريا أثناء ‏عودته من مسقط عام 1856م وهي دلالة تحمل معاني كثيرة يصعب تجاهلها كقيمة ‏حضارية في التاريخ العماني .‏






أحدث المواقع
مواقع مميزة
ولايات نشطة



تابعنا على