ن الصناعات الحرفية التي يحافظ عليها العُمانيون حرفة تكاد تنقرض في عدد كبير من ولايات السلطنة، حرفة تدعى التبسيل، وتعد ظاهرة اجتماعية مهمة في التركيبة العائلية في مجتمع السلطنة. وخلال موسم الصيف، ويسمى في عُمان القيظ، تعيش القرى الزراعية موسمها الحقيقي حيث النخيل المورد الأهم في أجندة المزارع العماني، على رغم المنافسة التي يجدها من العمالة الآسيوية (الهنود والباكستانيين والبنغال) الذين سحبوا البساط من الملاك الحقيقيين للمزارع فأصبحوا يديرون جانباً مهماً من الاقتصاد الزراعي في عمان.

وتسعى بعض العائلات للحفاظ على حرفة التبسيل بمنأى عن تدخل العمالة الوافدة على رغم هجران الشباب لها، فيقوم بعض المزارعين بالاستعانة بعدد من العمال الأجانب لمساعدتهم فقط، من دون الإمساك بها كما حدث في عدد كبير من مزارع النخيل في عمان.

وتعود كلمة التبسيل إلى نوع من النخيل يسمى المبسلي تستخدم بسوره (البسر هي ثمرة النخل بعد اكتمال لونها الأصفر قبل أن تبدأ بالتحول إلى تمر) وتتميز بكبر حجمها، وهي منتشرة في بعض الولايات فقط، والتي تزرعها من أجل صناعة «التبسيل» وتقوم على غلي البسور في مراجل ضخمة ثم تجفيها تحت شمس الصيف الحارقة لتصبح جافة أشبه بقطعة حلويات صلبة قليلاً، مما يسهل أمر تعبئتها وتخزينها وتصديرها إلى طالبيها في داخل السلطنة وخارجها.

ويعد موسم التبسيل (ويشهد حالياً فترة ذروته) من المواسم الاحتفالية حيث تتجمع العائلات صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً لتبدأ بعملية «الجداد» أي حصاد البسور من النخيل العالية، ومن ثم تنقيتها من الشوائب وإزاحة البسور الفاسد منها.

ويمتد لونها الأصفر على مساحات مفتوحة من القرية لتنال حظها من الهواء الجاف فيما يجهز الرجال «التراكيب» أو «المنارات» التي تشتعل فيها النار تحت المراجل ساعات طوال من اليوم لإنجاز عمليه غلي البسور، وتصبح الخبرات مطلوبة لمراقبة العملية الأدق في جودة المنتج، ويتواصل الغلي نحو 12 ساعة أحيانا ليلاً ونهاراً، بحسب الحاجة، ولا مجال للتأجيل أمام التأثر السريع للبسور بحرارة الطقس والرطوبة العالية أحياناً.

وعادة تتكوّن كل «تركبة» من مرجلين كبيرين فيما يقاوم المشرفون على عملية الطبخ حرارة النار والصيف الحارق.

وتسمى «البسرة» بعد الطبخ مباشرة الفاغور حيث تكون طرية بمذاق حلو كأنها غمست في محلول من السكر، وتكتسب اسم «المبسل» بعد تجفيفها، حيث تسقط الياء من اسم نخلة «المبسلي».

ويتواصل العمل الشاق فيها بعد ذلك بنقل البسور من المراجل إلى أماكن أخرى مفتوحة تحت الشمس حيث تفرش على «المساطيح» لتجف، ثم تبدأ عملية التعبئة والبحث عن مشترين لبضاعة لا يقبل عليها جيل اليوم، فيما يكبر قلق المزارعين على منتجهم، خشية من هطول الأمطار في أيام التجفيف، ومن تراجع التكافل الأسري الذي يدفعهم لطلب المزيد من القوى العاملة الوافدة.

مصدر المقالة : محمد بن سيف الرحبي






أحدث المواقع
مواقع مميزة
ولايات نشطة



تابعنا على